ذكرى معركة الزلاقة: درس في الوحدة والمقاومة للأمة
في هذه الأيام من شهر رجب، نستذكر واحدة من أعظم المعارك في التاريخ الإسلامي، معركة الزلاقة التي وقعت سنة 479 هجرية، والتي أطالت عمر الإسلام في الأندلس أربعة قرون كاملة.
تفرق الأمة قبل المعركة
قبل هذه المعركة الفاصلة، كانت الأندلس تعيش أياما سوداء، مقسمة إلى 22 دويلة صغيرة يحكمها ما يُعرف بـ"ملوك الطوائف". هؤلاء الملوك انشغلوا بالنزاعات فيما بينهم، حتى وصل الأمر ببعضهم للاستعانة بالصليبيين النصارى ضد إخوانهم المسلمين.
ذكر ابن حيان القرطبي أن قرطبة، حاضرة المسلمين في الأندلس، أصبحت وجهة لعبيد الشهوات، حيث كان كثير من ملوك الطوائف يطلبون من أميرها كل أنواع الملذات.
سقوط طليطلة والإذلال
استغل الصليبيون بقيادة ألفونسو السادس هذا التفرق، فحاصروا طليطلة، قلب الأندلس النابض، لمدة أربع سنوات كاملة. وبعد صمود المسلمين الطويل دون نجدة من إخوانهم، سقطت المدينة بأيدي النصارى.
بعد سقوط طليطلة، بدأ ألفونسو يمارس إذلال من تحالفوا معه من المسلمين. أرسل إلى المعتمد بن عباد، ملك إشبيلية، رسالة مهينة يطلب فيها مروحة "لطرد الذباب عن وجهه". هذه الإهانة أيقظت ضمير المعتمد وجعلته يدرك شناعة التحالف مع الأعداء.
الاستنجاد بالمرابطين
قرر المعتمد بن عباد الاستعانة بإخوانه المسلمين في المغرب، وبقائد دولة المرابطين البطل يوسف بن تاشفين. رغم تخوف بعض أمراء الطوائف من سيطرة المرابطين على بلادهم، أصر المعتمد قائلا: "لأن أرعى الجمال عند ابن تاشفين في الصحراء، خير لي من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو في قشتالة".
استجاب ابن تاشفين للنداء قائلا: "أنا أول منتدب لنصرة هذين الدين"، وعبر البحر بجيش عظيم. ولما هدده ألفونسو، رد عليه ابن تاشفين: "الجواب ما تراه لا ما تسمعه".
المعركة الفاصلة
التقى الجمعان في سهل الزلاقة، حيث كان تعداد جيش المسلمين 48 ألفا، نصفهم من الأندلسيين ونصفهم من المرابطين، مقابل 180 ألف صليبي. أراد ألفونسو الغدر بمباغتة المسلمين أثناء صلاة الجمعة، لكن المعتمد بن عباد تنبه للخدعة ووقف خلف المصلين للدفاع عنهم.
قاتل المسلمون قتال الأبطال، وكان القادة في الصفوف الأولى. أُثخن المعتمد بالجراح وسقطت تحته ثلاثة أحصنة، لكنه ثبت مع إخوانه حتى هزم الله العدو وولى الصليبيون الأدبار، وفر ألفونسو مصابا في فخذه.
الدرس المستفاد
معركة الزلاقة تبقى درسا خالدا في أهمية الوحدة والتضامن بين المسلمين في وجه أعدائهم. للأسف، عاد ملوك الطوائف إلى خلافاتهم بعد النصر، مما اضطر ابن تاشفين لضم الأندلس كلها إلى سلطانه سنة 496 هجرية.
هذه المعركة تذكرنا اليوم بأن الوحدة والتضامن هما السبيل الوحيد لمواجهة التحديات والأعداء، وأن التفرق والخلاف لا يجلبان إلا الضعف والهزيمة.